نُقطة مهمة جدًا: الكفاءة العلمية ليست على الإطلاق مقياسًا أخلاقيًا، وليست دليلًا على صحة الأفكار والمعتقدات.

 

نُقطة مهمة جدًا: الكفاءة العلمية ليست على الإطلاق مقياسًا أخلاقيًا، وليست دليلًا على صحة الأفكار والمعتقدات. هذه نقرة وهذه نقرة.
القيم الأخلاقية، وصحة المُعتقد الديني (أو النظرة الفلسفية للحياة عامًة) يرتبطان بصورة رئيسية بطبيعة "النفس"، والتي تختلف عن طبيعة العقل. في حين أن اهتمام عالم النفس يدور حول الأسئلة الكُليّة المُجردة، فإن اهتمام عالم العقل يدور حول الأسئلة التفصيلية المادية التي ترتبط بصورة مُباشرة بتجربتنا البشرية.
هذا يعني أنك قد تمتلك عقلُا رائعًا يُجيب بصورة غير مسبُوقة على أسئلة علمية شديدة الصعوبة، وفي نفس الوقت تمتلك نفسًا خبيثة تعتنق أفكارًا فاسدة، أو لديك فطرة مُشوهّة لا تعترف بأي مُثُل أخلاقية. ما يُحدث هو أنك تستخدم (أو بعبارة أدق، تسيء استخدام) "سُلطة العلم" التي تمتلكها للترويج لأفكارك.
أريد أن أتحدث عن فكرة "سُلطة العلم" تحديدًا.
في كُل مرحلة من التاريخ البشري ستجد أن هُناك ما يُمكنك تسميته "روح العصر"؛ تلك السمّة العامة التي تُسيطر على نظرة البشر للحياة وطريقة فهمهم لها في تلك المرحلة الزمنية. في وقتنا الحالي روح العصر هي "العلم"، في فترة سابقة كانت الفلسفة، وهكذا.
أولئك من يُجيدون التعامل مع روح العصر في أي فترة زمنية (العلماء في وقتنا الحالي) سيتحولون تلقائيًا إلى قادة وقُدوات في نظر الناس، وسيمتلكون "سُلطة" شبه مُطلقة على طريقة تفكيرهم، وهُنا هو حيث يحدث سوء استخدام هذه السُلطة.
ولماذا وُجدت هذه السُلطة من البداية؟ لأننا كائنات مُبالغة بالفطرة. نحنُ نميل للتعميم والخلط لأننا نكسل عن التفكير. نحن نميل لتنزيه من نُعجب بجانب منه عن أي خطأ لدرجة التقديس، لذا ليس لدينا أدنى أي مُشكلة في تعميم جانبه الوحيد ذاك على كامل كينونته، فيصير في أعيننا إلهًا لا ينطُق إلا عن الحقيقة المُطلقة التي نقبلها دون نقاش.
لو لم تكُن النفس مُنفصلة عن العقل في الحكم والفعل، لما وجدت أن مُسلمًا ومسيحيًا وبوذيُا وملحدًا يعملون على حل نفس المُشكلة العلمية، أليس كذلك؟ في حين أن طُرقهم قد تقاطعت في العمل على التفاصيل (كيفية القيام بالعلم)، فلكل منهم طريق مُختلف كُليًا فيما يتعلق "بالصورة الكبيرة" التي ترسم فلسفة الشخص ونظرته للحياة والحقيقة، بالإضافة إلى أنها تحتوي على "دوافعه" للقيام بتلك التفاصيل.
وهُنا يأتي سؤال مُهم: إن كان لكل من عالم النفس بفلسفته وعالم العقل بتجريبيته مسائل مُختلفة، فهل هذا يعني أنهما مُنفصلان؟ هل هذا يعني أن الدين مُنفصل عن العلم؟ الإجابة هي لا ونعم. في حين أن اختصاصاتهما مُختلفة -وبالتالي لا يُمكن تطبيق قواعد أحدهما على الآخر- فإن بينها مناطق تقاطع.
ما أقصده هُنا أنه بالإضافة إلى أن مُعتقدك يرسم لك صُورة كلية عن الوجود الذي يفوق حدود إدراكك البشري التجريبي ويضع لك قواعدًا لتحيا بصورة صحيحة (وفقًا له)، هو كذلك يرسم الخطوط العريضة -خطوط وليست "قيود"- والتي يتحرك على أساسها عقلك. هذه النُقطة تحديدًا هي السبب في أنه من الصعب القول بأن العلم حيادي وموضوعي بنسبة 100%، ذلك لأن هُناك من سيستخدم الأسلوب العلمي في وضع نظريات تُفسر الكون وفقًا لفلسفته الفكرية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
أرجو أن يكون ما أردت توصيله واضحًا. في المرة القادمة التي تُمجّد فيه ستيفن هوكينج تذكّر أن مقدرته العلمية ليس لها أدنى علاقة بإلحاده، كما أن علاقات أينشتاين النسائية الستة لم تكن السبب في وصوله للنسبية.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Flag Counter