"مُشكلة العالم هي أن الأذكياء يملؤهم الشك، بينما الحمقى تملؤهم الثقة." -- تشارلز بوكوفسكي
يحمل هذا الاقتباس وقعًا يدفع بالفرد دفعًا لنشره. لكن لماذا؟
بالطبع هو صحيح، لكن ليس هذا هو ما يدفع بالناس لتناقله. هُم يفعلون ذلك -ولو بصُورة غير واعية- من باب تعزية النفس. أو الأسوأ، من باب تبرير وضع مكروه وتبرير التكاسل عن تغييره.
"قدر العباقرة دومًا المعاناة. آه لو لم أكن بهذا الذكاء، رُبما كنت أنا من يحكم البلاد الآن."
من المُستحيل أن تجد من يتناقل تلك المقولة وهو مُقتنع بأنه ينتمي للفئة الثانية. دائمًا ما يفترض الفرد أنه من فئة الأذكياء الذين أتعسهم ذكاؤهم. المُشكلة هي أن العلاقة بين النتيجة والسبب في رأس الفرد تأتي مُلتبسة في أغلب الأحيان.
فقدان الحيلة والتعاسة ليسا نتيجة للذكاء، وإنما نتيجة لعدم امتلاك الثقة.
نعم الأذكياء يُعانون أكثر من غيرهم، ولكن ليس بسبب الذكاء ذاته، وإنما بسبب ما يكشفه لهم من حقائق مقيتة عن العالم، وما يُصاحب ذلك من حالة مُزمنة من عدم الرضا عنه.
نعم هُم شكاكون ومُترددون أكثر من غيرهم، وذلك لأن رؤوسهم ممتلئة بالبدائل و بـ "ماذا يحدث لو". في حين أن امتلاك القُدرة على الاختيار من بين بدائل يرفع عن النفس ثقل الشعور بالإجبار، فهو في نفس الوقت يضع على العقل ثقلًا لا يتخيله إلا من مر به. ثقل الشك في أفضلية أي خيار يتخذه. الشك في كُل خيار يتخذه. تعدد الخيارات قد يشل قُدرة الفرد على الاختيار من الأساس، وهو ما يعني بالتبعية عدم إقدامه على القيام بأي فعل.
لا يُمكن للفرد إنجاز أي شيء قبل أن يحمل في رأسه اعتقادًا جازمًا أن بإمكانه إنجازه. الثقة هي الشرارة التي يتولد عنها كُل فعل، والإنجاز ما هو إلا سلسلة مُتصلة من الأفعال. هذا الأمر عام ولا علاقة له بمُستوى الذكاء.
وبما أن بساطة عقول الحمقى -في رؤية صاحب الاقتباس- تسمح لهم بحمل ثقة لا نهائية في أنفسهم، فليس من المُستغرب أن ينتهي بهم الأمر في مراكز قيادة العالم. ما أوصلهم هو الثقة، وليست الحماقة.
الخطوة الأولى في إصلاح العالم هي أن يتعلم الأذكياء من ثقة الحمقى. هي أن يظهروا قدرًا من الثقة يفوق ذلك الذي يظهره الحمقى، حتى وإن كانت دواخلهم تمزقها الشكوك. بدون ذلك فلا أمل في تغيير أي شيء، وستظل الأدوار كما هي. سيستمر تربع الحمقى على قمة الهرم، وسيستمر ندب الأذكياء لحالهم عند السفح بأبيات "ذو العقل يشقى في النعيم".
0 تعليقات
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
Emoji